Print This Post

نظام عامّ بيئي

 

  • التعريف القانوني
  • فقه القضاء

النظام العامّ البيئي : لا يكرّس القانون التونسي مفهوم النظام العامّ البيئي، ومع ذلك يتّجه الفقه الى اعتماد هذا المفهوم الذي يقتضي لتعريفه الرجوع لتعريف النظام العامّ من جهة والبيئة من جهة أخرى.
فلئن كانت البيئة تعرّف بكونها كل ما يحيط بالإنسان من أرض وهواء وبحر ومياه ومساحات طبيعية وبصفة عامة كل ما يشمل التراث الوطني، فانّه يتداخل مع مفهوم النظام العامّ التقليدي المتمثل في الأمن العام والصحة والسكينة. حيث أصبحنا اليوم نتحدّث عن الأمن العامّ البيئي من خلال تدخّل سلطة الضبط الإداري لمجابهة الكوارث.
وترتبط البيئة بمكونين أساسيين من مكونات النظام العامّ، وهما الصحة العامّة والسكينة العامّ، وذلك عن طريق تدخّل الهياكل الإدارية لمقاومة الحشرات والأمراض التي من شأنها الاضرار بصحّة المواطنين والمواطنات ومجابهة مظاهر التلوث وظاهرها على غرار تلك المتأتية من الأنشطة والمؤسسات الصناعية والمهنية والتجارية المتمركزة بالمنطقة البلدية .
كما يقترن مفهوم السكينة العامّة بالبيئة من خلال إلزام المشرّع للبلديات باتخاذ جميع الإجراءات الرامية إلى تجنب الأعمال المخلة بالراحة العامّة من ضجيج وإزعاج للأجوار والعموم.

  • الفصل 267 من مجلّة الجماعات المحليّة

القاضي الإداري يلزم رئيس البلدية بالتدخّل لحماية النظام العام
يلزم القضاء الإداري رئيس البلدية بالتدخّل لحماية النظام العام، ويخصّص جزاء لعدم تدخّله.
*: ضرورة التدخّل
لقد استقر فقه قضاء مجلس الدولة الفرنسي وكذلك المحكمة الإدارية التونسية على أن رئيس البلدية ملزم بالتدخّل في حالة وجود إخلالات تهمّ النظام العام، إذ أن السلط الضبطية المختصة مطالبة في هذه الحالة بوضع حد لهذه الإخلالات . لكن يتعيّن إبراز ملاحظتين:
الأولى: أن رئيس البلدية كسلطة ضبط لا يكون ملزما بالتدخّل إلا في حالة وجود إخلال أو تهديد حقيقي بالإخلال بالنظام العام. وفي هذه الحالة فقط تكون السلطة الإدارية مخّلة بالتزاماتها القانونية التي تفرض عليها التدخّل لدرء الخطر.
الثانية: يجب أن نميّز بين عدم اتخاذ سلطة الضبط لإجراء ضبطي، وفي هذه الحالة تكون ملزمة بالتدخّل أو اتخاذ إجراء غير كاف لوضع حدّ للإخلال بالنظام العام، وفي هذه الوضعية، تكون مطالبة باتخاذ الإجراء الناجع والمتناسب مع خطورة التهديد.
ولقد أكّدت المحكمة الإدارية في قرار بن قدرية والذي تتعلّق وقائعه برفض رئيس بلدية حمام الأنف التدخّل لوضع حدّ لأخطار بيئية تهدّد صحة المتساكنين أنه “وحيث اقتضاء بأحكام القانون الأساسي للبلديات فإن رئيس الـبلدية ملزم باتخاذ كل ما من شأنه أن يحـقق الراحة والصحة داخل المناطق البلدية. وحيث أن رفض السلطة الإدارية التي لها صلاحيات الشرطة اتخاذ التدابير اللازمة للحـفاظ عـلى الصحة العامة عندما تكون هذه السلطة ملزمة باتخاذ تلك التدابير يكسي قراراتها الصريحة والضمنية طابع اللاشرعية” .
كما قضت الدائرة الإبتدائية للمحكمة الإدارية بالكاف في قضية تعلقت وقائعها برفض رئيس بلدية سيدي يوسف إفراغ خزان معدّ لتجميع المواد المستعملة موجودة في عقار متساكن، أن “إفراغ الخزان يدخل في نطاق صلاحيات رئيس البلدية في إطار سلطات الضبط الإداري العام، ضرورة أن عدم إفراغه من شأنه أن يمثّل خطرا بيئيا وصحيا ويشكل مصدرا للأوبئة والأمراض المعدية. وبالتالي لا يسع رئيس البلدية التمسك بأي عذر من شأنه أن يعفيه من الواجب المحمول عليه قانونا. وحيث أن تذرع رئيس البلدية بغياب الإمكانيات يغدو منطويا على تنكّر لاختصاصاته سيما وأنه يمكن له الاستعانة بالسلطة العليا” . فبالرجوع إلى الفصلين 266 و267 من مجلة الجماعات المحلية الذين أسندا له صلاحيات الضبط الإداري، يتعيّن على رئيس البلدية اتخاذ تدابير ضبطية للمحافظة على النظام العام .
كما جاء في قرار للمحكمة الإدارية بأن تصرّف البلدية المتمثل في تفريغ الشاحنات المحملة بالفضلات المنزليّة بأرض خاصة يتعارض مع ما أوكله المشرع للجماعات المحليّة من واجب ضمان الوقاية الصحيّة والنظافة وحماية البيئة. وتبعا لذلك، يعتبر رفض البلدية رفع الفضلات التي تمّ إلقاؤها بأرض العارض ونقلها إلى المصبّات المراقبة، تنكّرا من جانبها لاختصاصاتها وتخليا عن أوكد واجباتها القانونيّة .
وفي نفس هذا التوجّه اعتبرت المحكمة أنه يتعين على رئيس البلديّة متابعة مدى تقيد المتداخل بتهيئة محلّه للنشاط الذي يمارسه فيه، ومنعه من ممارسة النشاط إلى حين تدارك جميع الاخلالات واتخاذ جميع الإجراءات بما في ذلك الغلق المؤقت للمحل عند الاقتضاء. وعليه، يعتبر رفض البلدية اتخاذ الاجراءات الكفيلة بوضع حد للمخالفات الصحية المرتكبة من قبل المتداخل تنكّرا من جانبها لاختصاصاتها وتخليا عن أوكد واجباتها القانونيّة في مادة الضبط الإداري .
يكرّس إذن فقه القضاء المستقر للمحكمة الإدارية سلطة مقيّدة للإدارة بالتدخل. لكن القاضي الإداري التونسي لم يشترط وجود إخلال فادح بالنظام العام لتدخّل رئيس البلدية مثلما اشترط نظيره الفرنسي، وإنما اشترط فقط مجرّد إخلال دون إضافة صفة “الفادح”. وعليه، فإن هذا الموقف يعدّ أكثر مرونة من القضاء الفرنسي. فقد أكدت المحكمة الإدارية في مجال حفر الآبار وبنائها أن إحداث بئر تبعد 50 م عن محلّ العارض وهي مصدر إزعاج وروائح كريهة وحشرات يفرض على الإدارة التدخّل متى تلقّت طلبا من المتضرر. وبالتالي أقرت المحكمة أنه “يكون رئيس البلدية عندما امتنع عن اتخاذ قرار في سدم البئر، رغم ثبوت كونها مصدرا للروائح الكريهة، قد تنكّر لصلاحياته” . وفي قضية أخرى أكدت المحكمة أن رئيس البلدية ملزم بما له من صلاحيات في مادة الضبط الإداري باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق الأمن والراحة والصحة داخل المنطقة البلدية، فضلا عن حسن مظهر المدن وتجميلها، الأمر الذي يكون معه رفضه التدخل لوضع حدّ لمظاهر التلوث من قبيل الإحجام عن ممارسة المهام الموكولة إليه بمقتضى القانون ويصيّر قراره المطعون فيه متّسم بعدم الشرعية .
لكن نلاحظ تشددا في فقه القضاء الحديث للمحكمة الإدارية مقارنة بفقه قضائها السابق. ففي سلسلة من القرارات الصادرة حديثا، اعتبر القاضي الإداري أن سلطة الضبط لا تكون ملزمة باتخاذ إجراء ضبطي معيّن إلا متى كان الإجراء المزمع اتخاذه ضروريا لوضع حدّ لخطر محدق ناجم عن وضعية ذات خطورة خاصة على النظام العام . ففي السابق كانت المحكمة تشترط مجرد إخلال جدّي بالنظام العام. لكنها أصبحت تشترط وجود خطر محدق ناجم عن وضعية ذات خطورة خاصة على النظام العام لتلزم سلطة الضبط بالتدخل، مما يعني تقلّص حماية النظام العام لصالح حرية ممارسة الصناعة والتجارة، ولو أن في تقلص حماية النظام العام مساس بحريات وبحقوق أخرى للمواطن أهمها الحق في الصحة وفي بيئة سليمة. فكأنما القاضي غلّب حريات على أخرى.
إذن لابد من التدخّل. لكن ما جزاء عدم التدخّل؟
* جزاء عدم التدخّل
خصّص المشرع، مثلما أكّد ذلك فقه القضاء، عقوبة في حال عدم التدخل، متمثّلة في الحلول محلّ السلطة الضبطية صاحبة الاختصاص الأصلي، وذلك متى ثبت رفضها أو تقاعسها أو عجزها عن التدخلّ.
وعادة ما تسند سلطة الحلول إلى سلطة الإشراف. لكن واعتبارا بأنها تمثّل استثناء لممارسة الاختصاص من قبل صاحبه الأصلي، فإن القضاء الإداري شدّد من شروط ممارسته، مشترطا ثلاث شروط تتمثّل في ما يلي:
الشرط الأول: أن يكون الحلول منصوصا عليه بالنص، فلا وجود لحلول تلقائى. فقد جاء بالفصل 268 من مجلة الجماعات المحلية أنه “إذا امتنع رئيس البلدية أو أهمل القيام بعمل من الأعمال التي يسندها له القانون أو التراتيب، يتولى الوالي التنبيه عليه كتابيا بإتمام ما يستوجبه القانون والتراتيب. وفي صورة تقاعس رئيس البلدية أو عجزه الجلي عن إتمام المهام المستوجبة رغم وجود خطر مؤكد، للوالي أن يباشر تلك الصلاحية بنفسه أو يكلف من ينوبه للغرض وذلك بمقتضى قرارا معللا. وينتهي تدخل الوالي بزوال الأسباب المذكورة أعلاه”.
الشرط الثاني: يجب أن يكون صاحب الاختصاص الأصلي ملزما بالتدخل لوضع حدّ للإخلال بالنظام العام. أما إذا كانت السلطة صاحبة الاختصاص الأصلي تتمتّع بهامش من الحرية ورفضت التدخل، فلا يمكن إعمال سلطة الحلول. فقد اشترط فقه القضاء، مستندا أيضا إلى النصوص المكرّسة للحلول، أن تكون سلطة الإدارة صاحبة الاختصاص الأصلي مقيّدة بالتدخل في المجال الضبطي. وقد أكّدت المحكمة الإدارية في قرار “اسماعيل بلبالي” أنه “وحيث أن حلول والي مدنين محل رئيس بلدية جربة ميدون عند اتخاذه لقرار الفسخ المطعون فيه كان مستجيبا لأحـكام الفصل 72 من القانون الأساسي للبلديات، ضرورة أن رئيس البلدية كان ملزما بتنفيذ قرار المجلس البلدي” .
الشرط الثالث: يجب أن يقع التنبيه على السلطة الضبطية صاحبة الاختصاص الأصلي بالتدخل، وأن لا تلتزم هذه السلطة بما ورد في التنبيه وترفض التدخل.
ومهما يكن من أمر، فإنّ عدم تدخّل السلطة الضبطية لدرء خطر يهدد النظام العام في معناه التقليدي أو الحديث يجعل تصرّفها غير شرعي، ويمكن أن يؤدي إلى قيام مسؤوليتها.
القاضي الإداري يشترط أن تحترم التدابير الضبطية شرطي الضرورة والتناسب
ينبغي التنبيه إلى أن القاضي لا يتدخل فقط لحماية الحقوق والحريات، وإنما لحماية النظام العام من التجاوزات المشطّة في ممارسة تلك الحريات، مما يعني عدم وجود تعارض بين ممارسة الحريات والمحافظة على النظام العام، لأن في الحدّ من التجاوزات في ممارسة حريات البعض حماية لحريات البعض الآخر. فالمسألة مسألة توازن بالأساس، لأن الإدارة مطالبة بالتدخل لوضع حدّ للإخلال بالنظام العام. فالإجراء المتّخذ يجب أن يكون ضروريا ومتناسبا مع خطورة الإخلال.
* مراقبة توفّر عنصر الضرورة في الإجراء الضبطي
يعتبر التدبير الضبطي مخالفا لقاعدة الضرورة إذا كان بإمكان الإدارة اتخاذ إجراء أقل تضييق للحريات من الإجراء الذي اتخذته. ويشترط القاضي أن يكون التدبير الضبطي ضروريا، بمعنى أن تكون الظروف الواقعية حتّمته، وذلك للمحافظة على النظام العام. بهذا المعنى، تكون الإدارة مطالبة باختيار الإجراء الأقل وطأة وإجحافا على الحريات. وقد أكدت المحكمة في قضية الغرفة النقابية لشركات الإشهار أن جماليّة المدينة لا يستدعي إزالة كل اللافتات.
وقد دأب فقه القضاء على القضاء بعدم شرعية إجراءات المنع العامة والمطلقة متى ثبت أنها غير متلائمة مع مقتضيات الحفاظ على النظام العام. وعليه، فإن الإدارة تكون مطالبة باتخاذ الإجراء الأقل مساسا بالحريات، وهو ما أدى بالقضاء إلى إلغاء الإجراءات الضبطية التي تقرّ منعا عاما لممارسة الحريات، إلا إذا تبيّن للقاضي أنه لم تكن هناك وسيلة أخرى للمحافظة على النظام العام.
وأكّدت المحكمة الإدارية أن تدابير الضبط تخضع، بحكم اكتسائها صبغة استثنائية، لاقترانها بممارسة الحريات العامة، إلى رقابة الملاءمة التي تقوم على التثبّت من توفّر ركن الضرورة بمناسبة اتخاذها والتصريح بعدم شرعيتها، متى تبيّن أنها لم تكن ضرورية لمواجهة مخاطر الإخلال بالنظام العام .
كما أقرّ القاضي الإداري في المجال البيئي أنه، لئن عهد لرئيس البلدية صلاحيات تدابير ضبط عام، فإن تدخّله لتحقيق الصحة يجب أن يكون مستندا واقعا وقانونا، خاصة أن اتخاذ مثل هذه التدابير هو استثناء، لاقترانه بممارسة الحريات، ولا يجوز التوسّع في تأويلها، وذلك بالتأكد من توفّر ركن الضرورة بمناسبة اتخاذها . ففي مجال إحداث محطات الضخ والتطهير، أكد قاضي تجاوز السلطة أنه ولئن كان إحداثها يعدّ من الإجراءات الضرورية التي تستوجبها تهيئة وتطهير الأحياء والتجمعات السكنية قصد المحافظة على إطار عيش سليم، فإن تركيزها يجب أن يحترم قواعد السلامة والصحة العامة وعدم الإضرار بالبيئة . أما في مجال تركيز التجهيزات الخاصة بشبكة الهاتف الجوال الرقمي، فقد جاء في قرار للمحكمة الإدارية أن أحكام القانون الأساسي للبلديات تخوّل لرئيس البلدية اتخاذ القرارات اللازمة لضمان المحافظة على النظام العام واتباع الإجراءات الكفيلة بتحقيق الصحة والمحافظة على إطار عيش سليم. لكن القاضي شدّد على أن تدخّله يجب أن يكون مشروطا بوجود تهديد أو خطر حقيقي .
* مراقبة توفّر عنصر التناسب في الإجراء الضبطي
لقد حاولت المحكمة الإدارية تعريف رقابة التناسب في قرار كريشان، مؤكدة على أن الإدارة خاضعة في مجال الضبط المتعلق بها إلى رقابة قضائية تمتد إلى حدّ التثبّت من مدى تناسب تدابير الضبط المتّخذة في إطارها مع الظروف التي حفّت باتخاذها والأهداف التي ترمي إلى تحقيقها .
الأصل أن تقف رقابة القاضي الإداري على قرارات الإدارة عند التحقّق من الوجود المادي للوقائع ومن صحة تكييفها، دون أن تتعداها إلى البحث في مدى تناسب محل القرار مع سببه. ذلك أن القاضي قد يخرج بهذه الرقابة عن وظيفته ويدخل في صميم العمل الإداري. لكن، ولتعلّق المسألة أساسا بالحريات، أقرّ قاضي تجاوز السلطة لنفسه مراقبة تناسب التدبير الضبطي مع الاضطراب المراد تفاديه.
ويعتبر التناسب نتيجة منطقيّة لاشتراط عنصر الضرورة، لأن القرار غير المتناسب مع الوقائع التي حفّت باتخاذه هو تدبير غير ضروري. ويؤدي اشتراط عنصر التناسب إلى ضرورة احترام الإدارة لقاعدة التدرّج. فسلطة الضبط مطالبة باتخاذ القرارات الأقل وطأة على الأفراد .
وقد قضت المحكمة في قرار “دريرة” بأنه يتعيّن على الإدارة، نظرا لتعلق الأمر بممارسة الحريات، أن “تحترم مبدأ التدرج في اتخاذ التدابير التي تستلزمها ضرورة المحافظة على النظام العام وممارسة حرية الصناعة والتجارة” . كما أكدت في قرار “بالضياف”، والمتعلق بغلق باب مصرف معدّ لبيع مواد بناء لتسبّبه في تعطيل حركة المرور، أن “ثبوت التهديد للنظام العام لا يمنح البلدية سلطات مطلقة لرد الخطر، وإنما يفرض عليها توخي التدرج في اتخاذ إجراءات الضبط الإداري وانتهاج إجراءات وقائيّة أقل صرامة من الغلق من شأنها أن تحقق نفس الأهداف، مثل تحجير وقوف أو توقّف الشاحنات أمام عقار المدعي أو تحديد وقت معيّن خلال اليوم أو يوم محدد من الأسبوع لوقوف الشاحنات أمام العقار أو في أقصى الحالات إلزام العارض بعدم استعمال الباب خلال أوقات معينة” .
لقد درج فقه قضاء المحكمة الإدارية على خضوع الإدارة في مجال النظام العام إلى رقابة التناسب، بحيث يتثبّت القاضي الإداري إن كان الإجراء المتّخذ متناسبا مع خطورة الإخلال بالنظام العام. فقد جاء في قرار بتاريخ 23 نوفمبر 2018 والذي تتعلق وقائعه بقرار صادر عن بلدية قابس يقضي بإخلاء المحل من الحيوانات لحفظ الصحة وحماية المحيط أنه “وحيث يراعي في تقدير التناسب نوعية الخطر ومكانه وخصوصية المخاطبين بالقرار وطبيعة أنشطتهم. وحيث يتبين بالرجوع إلى مثال التهيئة العمرانية والتراتيب المنطبقة على المنطقة موضوع النزاع أن الإسطبل موضوع قرار الإخلاء متواجد بمنطقة فلاحية، وهو ما يجعل تربية الحيوانات فيها أمرا شائعا وطبيعيا. وحيث يتبين من المعطيات السابقة أن قرار إخلاء الإسطبل لا يتناسب مع الخطر الذي تمثله تربية الحيوانات من قبل المدعي على النظام العام وبالتحديد على الصحة العامة بالمنطقة التي توجد بها، الأمر الذي يؤدي إلى قبول المطعن وإلغاء القرار المطعون فيه” .
وفي نفس هذا التوجه قضت الدائرة الإبتدائية للمحكمة الإدارية بالقيروان بعدم شرعية تدخّل بلدية القيروان لعدم احترامها شرط التناسب. تعلّق الأمر بقرار صادر عن رئيس بلدية القيروان يقضي بغلق المحل المعدّ لصنع المرطبات والمثلجات وذلك بالاستناد إلى محضر معاينة تبيّن من خلاله مخالفة صاحب المحل لتراتيب حفظ الصحة والنظافة العامة من خلال عدم مطابقة المدخنة للمواصفات ووجود تسرّب للروائح والأبخرة والضجيج الأمر الذي أدى لتشكي الأجوار. وفي المقابل نفى صاحب المحل ما نسب إليه من إخلالات وأيّد ذلك بقرار صادر من مكتب دراسات يفيد مطابقة المدخنة للمواصفات الفنية مؤكدا تجاوزه للضجيج الذي تظلّم منه الأجوار وهو ما لم تنفه البلدية. فأكدت المحكمة أن “مصادر الإزعاج التي تشكل تهديدا للصحة والراحة والسكينة العامة والتي وحدها يمكن أن تبرر تدخل سلطة الضبط الإداري للحيلولة دونها هي تلك التي تبلغ حدا معينا يتجاوز النسب والمستويات الإعتيادية بحيث لا يمكن تحملها من الإنسان العادي، وهو ما لم تتوصل بلدية القيروان للتدليل عليه” .

  • مقال “القاضي الإداري والنظام العامّ البيئي”، عصام بن حسن وعفاف مرّاكشي، أعمال الملتقى العلمي “القاضي وحماية البيئة” بكلية الحقوق بصفاقس 11 و12 فيفري 2017، ص59 وما بعدها.
  • C.E. 23 octobre 1959, Sieur Doublet, Rec, p. 540.
  • قضية عدد 1157 بتاريخ 25 أفريل 1988، توفيق بن قدرية / رئيس بلدية حمام الأنف، مجموعة قرارات المحكمة الإدارية، ص. 53
  • قضية عدد 1157 بتاريخ 25 أفريل 1988، توفيق بن قدرية / رئيس بلدية حمام الأنف، مجموعة قرارات المحكمة الإدارية، ص. 53
  • قضية عدد 148891 بتاريخ 3 ديسمبر 2018 (غير منشورة).
  • القضية عدد: 05200200 بتاريخ: 22 نوفمبر 2019، الدائرة الابتدائية بسوسة، بوقطاية / بلدية القلعة الكبرى.
  • القضية عدد: 09100427 / بتاريخ: 30 نوفمبر 2020، الدائرة الابتدائية بالقابس، العابد / بلدية مارث.
  • القضية عدد: 09100446 / بتاريخ: 31 ديسمبر 2020، الدائرة الابتدائية بقابس، رضواني / بلدية الحامة.
  • قضية عدد 17051 بتاريح 29 جانفي 1999، ذياب / رئيس بلدية تونس. قضية عدد 11293 بتاريح 16 جوان 2004، محمد / رئيس بلدية أريانة، المجموعة، ص. 68. قضية عدد 15757 بتاريخ 02 ديسمبر 2008، الكافي / رئيس بلدية رادس (غير منشورة).
    ” حيث أن سلطة رئيس البلدية في ممارسة صلاحيات الضبط الإداري الرامية إلى تأمين المحافظة على السكينة العامة والأمن العام والصحة العامة تفرض عليه التدخل لدرء الخطر وهي سلطة مقيدة في هذا المجال”.
  • قضية عدد 12830 بتاريخ 16 فيفري 2008، على عصيدي / رئيس بلدية تالة (غير منشورة).
  • قضية عدد 16903 بتاريخ 28 فيفري 2009، ريم كشرود/ رئيس بلدية طبربة (غير منشورة).
  • قضية عدد 120660 بتاريخ 19 جوان 2015، عبد الله المسعودي / والي باجة (غير منشورة). أنظر أيضا: قضية عدد 131543 بتاريخ 12 جويلية 2015، محمد بالشاوش / رئيس النيابة الخصوصية لبلدية طبربة (غير منشورة)..
  • قضية عدد 3192 بتاريخ 19 جانفي 1993، إسماعيل البلبالي/ والي مدنين، المجلة القانونية التونسية ، 1994، ص. 372.
  • قضية عدد 451 بتاريخ 15 فيفري 1982، الغرفة النقابية لشركات الإشهار / بلديّة تونس، المجموعة، ص. 10.
  • قضية عدد 26856 بتاريخ 23 ماي 2009، رئيس بلدية المهدية/ ظريف (غير منشورة).
  • قضية عدد 27814 بتاريخ 24 سبتمبر 2009، بلدية صفاقس / ورثة محمد القلسي (غير منشورة).
  • قضية عدد 19153 بتاريخ 4 أفريل 2013، الحداد / بلدية الشابة (غير منشورة).
  • قضية عدد 18597 بتاريخ 23 مارس 2011، اتصالات تونس/ رئيس بلدية باردو (غير منشورة).
  • قضية عدد 3879 بتاريخ 14 مارس 1995، شركة كريشان وأبنائه / بلدية القصرين ، المجموعة، ص.128.
  • ” كان عليه التدرج في اتخاذ التدابير” : قضية عدد 3879 بتاريخ 14 مارس 1995، كريشـان وأبناؤه / بلدية القصرين، المجموعة، ص. 128.
  • قضية عدد 17332 بتاريخ 19 ديسمبر 2000، رفيق دريرة / رئيس بلدية تونس (غير منشورة).
  • قضية عدد 11049 بتاريخ 19 نوفمبر2005 (غير منشورة).
  • أنظر أيضا: قضية عدد 17332 بتاريخ 19 ديسمبر 2000، رفيق دريرة / رئيس بلدية تونس (غير منشورة).”وحيث يتعيّن على الإدارة نظرا لطبيعة هذا النشاط أن تحترم مبدأ التدرج في اتخاذ التدابير التي تستلزمها ضرورة المحافظة على النظام العام وممارسة حرية التجارة والصناعة”.
  • أنظر أيضا: قضية عدد 11049 بتاريخ 19 نوفمبر 2006، كمال / رئيس بلدية توزر (غير منشورة).” وحيث أن ثبوت التهديد للنظام العام لا يمنح البلدية سلطات مطلقة لرد الخطر و إنما يفرض عليها توخي التدرج في اتخاذ إجراءات الضبط الإداري و انتهاج إجراءات وقائية اقل صرامة من الغلق من شأنها أن تحقق نفس الأهداف”.
  • قضية عدد 150268 بتاريخ 23 نوفمبر 2018، الناصفي / بلدية قابس (غير منشور).
  • قضية صادرة عن الدائرة الإبتدائية للمحكمة الإدارية بالقيروان عدد 1320154 بتاريخ 26 نوفمبر 2019 (غير منشور).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *